فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} أَيْ: فَلَمَّا أَلْقَوْا مَا أَلْقَوْا مِنْ حِبَالِهِمْ وَعِصِيِّهِمْ كَمَا فِي سُورَتَيِ الشُّعَرَاءِ وَطَهَ سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ الْحَاضِرِينَ، وَمِنْهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَفِي سُورَةِ طَهَ: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (20: 66) وَاسْتَرْهَبُوهُمْ أَيْ: أَوْقَعُوا فِي قُلُوبِهِمُ الرَّهْبَ وَالْخَوْفَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} (20: 67، 68) وَأَصْلُ الِاسْتِرْهَابِ مُحَاوَلَةُ الْإِرْهَابِ وَطَلَبُ وُقُوعِهِ بِأَسْبَابِهِ، وَقَدْ قَصَدُوا ذَلِكَ فَحَصَلَ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ أَيْ: مَظْهَرُهُ كَبِيرٌ، وَتَأْثِيرُهُ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ عَظِيمٌ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ: أَيْ؛ خَيَّلُوا إِلَى الْأَبْصَارِ أَنَّ مَا فَعَلُوهُ لَهُ حَقِيقَةٌ فِي الْخَارِجِ، وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا مُجَرَّدَ صَنْعَةٍ وَخَيَالٍ. ثُمَّ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّهُمْ أَلْقَوْا حِبَالًا غِلَاظًا وَخَشَبًا طِوَالًا فَأَقْبَلَتْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى، ثُمَّ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ السَّحَرَةَ كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ سَاحِرٍ، وَأَنَّ الْحَيَّاتِ الَّتِي أَظْهَرُوهَا بِخَيَالِ سِحْرِهِمْ كَانَتْ كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ قَدْ مَلَأَتِ الْوَادِي، وَعَنِ السُّدِّيِّ أَنَّ السَّحَرَةَ كَانُوا بِضْعًا وَثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ 70 أَلْفًا، وَذَكَرَ غَيْرُهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْمُبَالَغَةِ وَالتَّهْوِيلِ، وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي خَبَرٍ مَرْفُوعٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الْبَاطِلَةِ الْمَرْوِيَّةِ عَنِ الْيَهُودِ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي تَوْرَاتِهِمْ مِنْهَا شَيْءٌ، وَإِنَّمَا جَاءَ فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ مِنْ سِفْرِ الْخُرُوجِ مِنْهَا أَنَّ فِرْعَوْنَ دَعَا الْحُكَمَاءَ وَالسَّحَرَةَ فَفَعَلَ عَرَّافُو مِصْرَ أَيْضًا بِسِحْرِهِمْ كَذَلِكَ: طَرَحُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَصَاهُ فَصَارَتِ الْعِصِيُّ ثَعَابِينَ، وَلَكِنْ عَصَا هَارُونَ ابْتَلَعَتْ عِصِيَّهُمْ.
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ سِرَّ صِنَاعَتِهِمْ فِي ذَلِكَ بِمَا أَرَاهُ اسْتِنْبَاطًا عِلْمِيًّا لَا نَقْلًا تَارِيخِيًّا، قَالَ الْإِمَامُ الْجَصَّاصُ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} يَعْنِي مَوَّهُوا عَلَيْهِمْ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ تَسْعَى. وَقَالَ: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى فَأَخْبَرَ أَنَّ مَا ظَنُّوهُ سَعْيًا مِنْهَا لَمْ يَكُنْ سَعْيًا، وَإِنَّمَا كَانَ تَخَيُّلًا، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا كَانَتْ عِصِيًّا مُجَوَّفَةً قَدْ مُلِئَتْ زِئْبَقًا، وَكَذَلِكَ الْحِبَالُ كَانَتْ مَعْمُولَةً مِنْ أُدْمٍ؛ أَيْ: جِلْدٍ، مَحْشُوَّةً زِئْبَقًا، وَقَدْ حَفَرُوا قَبْلَ ذَلِكَ تَحْتَ الْمَوَاضِعِ أَسْرَابًا، وَجَعَلُوا أَزْوَاجًا مَلَئُوهَا نَارًا فَلَمَّا طُرِحَتْ عَلَيْهِ، وَحَمِيَ الزِّئْبَقُ حَرَّكَهَا؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الزِّئْبَقِ إِذَا أَصَابَتْهُ النَّارُ أَنْ يَطِيرَ، فَأَخْبَرَ اللهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُمَوَّهًا عَلَى غَيْرِ حَقِيقَتِهِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِضَرْبٍ مِنَ الْحُلِيِّ: مَسْحُورٌ؛ أَيْ: مُمَوَّهٌ عَلَى مَنْ رَآهُ مَسْحُورًا بِهِ اهـ.
فَعَلَى هَذَا يَكُونُ سِحْرُهُمْ لِأَعْيُنِ النَّاسِ عِبَارَةً عَنْ هَذِهِ الْحِيلَةِ الصِّنَاعِيَّةِ إِذَا صَحَّ خَبَرُهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِحِيلَةٍ أُخْرَى كَإِطْلَاقِ أَبْخِرَةٍ أَثَّرَتْ فِي الْأَعْيُنِ فَجَعَلَتْهَا تُبْصِرُ ذَلِكَ أَوْ يَجْعَلُ الْعِصِيَّ وَالْحِبَالَ عَلَى صُورَةِ الْحَيَّاتِ، وَتَحْرِيكَهَا بِمُحَرِّكَاتٍ خَفِيَّةٍ سَرِيعَةٍ لَا تُدْرِكُهَا أَبْصَارُ النَّاظِرِينَ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَعْمَالُ مِنَ الصِّنَاعَاتِ وَتُسَمَّى السِّيمِيَاءَ. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {واسترهبوهم} يجوز أن يكون استفعلَ فيه بمعنى أفعل أي: أرهبوهم، وهو قريب من قولهم: قرّ واستقرّ، وعظّم واستَعْظَمَ وهذا رأي المبرِّدِ.
ويجوز أن تكون السين على بابها، أي استدعوا رهبة النَّاس منهم، وهو رأي الزجاج. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآيات:
قال عليه الرحمة:
{وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)}.
ظنوا أنهم يَغلِبُون بما يسحرون، ولم يعلموا أن تأثير القدرة فيهم أغلب من تأثير سحرهم، وأنه لا يرد عنهم ما زَوَّرُوه في أنفسهم من فنون مكرهم فكادوا وكِيدَ لهم، فهو كما قيل:
ورماني بأسهم صائباتٍ ** وتعمدته بسهم فطاشا

فَبَيْنَاهم في توهِّم أنَّ الغلبة لهم فُتِحَ عليهم- من مكامن القدرة- جيشٌ، فوجدوا أنفسهم- في فتح القدرة- مقهورين بسيف المشيئة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (117):

قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تناهى الأمر واشتد التشوف إلى ما صنغ موسى عليه السلام، قال معلمًا عنه عطفًا على {وجاءو}: {وأوحينا} أي مظهرين لعظمتنا على رؤوس الأشهاد بما لا يقدر أحد أن يضاهيه {إلى موسى أن ألق عصاك} أي فألقاها {فإذا هي} من حين إلقائه لها {تلقف} أي تلتقم التقامًا حقيقيًا شديدًا سريعًا جدًّا بما دل عليه حذف التاء، ودل على كثرة ما صنعوا بقوله: {ما يأفكون} أي يجددون حين إلقائهم في تزويره وقلبه عن وجهه، فابتلعت ما كان ملء الوادي من العصيّ والحبال، ثم أخذها موسى عليه السلام فإذا هي كما كانت لم يزد شيء من مقدارها على ما كانت عليه، وفي هذا السياق المعلم بتثبت موسى السلام بعد عظيم ما رأى من سحرهم إلى الإيحاء إليه بيان لأدبه عليه السلام في ذلك المقام الضنك وسكونه تحت المقاربة مع مرسله سبحانه إلى بروز أوامره الشريفة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} يحتمل أن يكون المراد من هذا الوحي حقيقة الوحي.
وروى الواحدي عن ابن عباس: أنه قال: يريد وألهمنا موسى أن أَلْقِ عَصَاكَ.
ثم قال: {فَإِذَا هي تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
فيه حذف وإضمار والتقدير {فألقاها فَإِذَا هي تَلْقَفُ}.
المسألة الثانية:
قرأ حفص عن عاصم {تَلْقَفْ} ساكنة اللام خفيف القاف، والباقون بتشديد القاف مفتوحة اللام.
وروي عن ابن كثير {تَلْقَفْ} بتشديد القاف.
وعلى هذا الخلاف في طه والشعراء.
أما من خفف فقال ابن السكيت: اللقف مصدر لقفت الشيء ألقفه لقفًا إذا أخذته، فأكلته أو ابتلعته، ورجل لقف سريع الأخذ، وقال اللحياني: ومثله ثقف يثقف ثقًا وثقيف كلقيف بين الثقافة واللقافة، وأما القراءة بالتشديد فهو من تلقف يتلقف، وأما قراءة بن كثير فأصلها تتلقف أدغم إحدى التاءين في الأخرى.
المسألة الثالثة:
قال المفسرون: لما ألقى موسى العصا صارت حية عظيمة حتى سدت الأفق ثم فتحت فكها فكان ما بين فكيها ثمانين ذراعًا وابتلعت ما ألقوا من حبالهم وعصيهم، فلما أخذها موسى صارت عصا كما كانت من غير تفاوت في الحجم والمقدار أصلًا.
واعلم أن هذا مما يدل على وجود الإله القادر المختار وعلى المعجز العظيم لموسى عليه السلام، وذلك لأن ذلك الثعبان العظيم لما ابتلعت تلك الحبال والعصي مع كثرتها ثم صارت عصا كما كانت فهذا يدل على أنه تعالى أعدم أجسام تلك الحبال والعصي، أو على أنه تعالى فرق بين تلك الأجزاء وجعلها ذرات غير محسوسة وأذهبها في الهواء بحيث لا يحس بذهابها وتفرقها وعلى كلا التقديرين، فلا يقدر على هذه الحالة أحد إلا الله سبحانه وتعالى.
المسألة الرابعة:
قوله: {مَا يَأْفِكُونَ} فيه وجهان:
الأول: معنى الإفك في اللغة قلب الشيء عن وجهه، ومنه قيل للكذب إفك لأنه مقلوب عن وجهه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: {مَا يَأْفِكُونَ} يريد يكذبون، والمعنى: أن العصا تلقف ما يأفكونه أي يقلبونه عن الحق إلى الباطل ويزورونه وعلى هذ التقدير فلفظة {مَا} موصوله والثاني: أن يكون {مَا} مصدرية، والتقدير: فإذا هي تلقف إفكهم تسمية للمأفوك بالإفك. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} يعني اطرح عصاك إلى الأرض فألقى عصاه من يده فصارت حية أعظم من جميع حياتهم {فَإِذَا هي تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} يعني: تلتقم وتأكل جميع ما جاؤوا به من الكذب والسحر.
قرأ عاصم في رواية حفص تَلْقَفْ بجزم اللام والتخفيف.
وقرأ الباقون بنصب اللام وتشديد القاف، ومعناهما واحد.
ثم إن الحية قصدت إلى فرعون، فنادى موسى فأخذها، فإذا هي عصا على حالها فنظرت السحرة فإذا حبالهم وعصيهم قد ذهبت. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَأَوْحِيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ}.
قال ابن عباس: العصا أول آيات موسى وكانت من آس الجنة، طولها عشرة أذرع بطول موسى، قصد باب فرعون فألقى عليه الفزع، فشاب فخضب بالسواد استحياء من قومه، فكان فرعون أول من خضب بسواد.
{فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ} معنى تلقف هو سرعة التناول إلا أن المراد هنا سرعة ابتلاعه بالفم. قال أبو حاتم: وهي في بعض القراءات تلقم بالميم والتشديد، قال الشاعر:
أَنْتَ عَصَا مُوسَى الَّتِي لَمْ تَزَلْ ** تَلْقَمُ مَا يَأْفِكُهُ السَّاحِرُ

وفي قوله: {مَا يأْفِكُونَ} وجهان:
أحدهما: معناه يقلبون، ومنه المؤتفكات أي المنقلبات، قاله ابن عيسى.
والثاني: معناه يكذبون لأن الإفك هو الكذب، قاله مجاهد.
فإن قيل: فلم أمر موسى السحرة أن يلقو وذلك منهم كفر ولا يجوز أن يأمر به نبي؟
قيل عن ذلك جوابان.
أحدهما: أن مضمون أمره إن كنتم محقين فألقوا.
والثاني: القول على ما يصح ويجوز لا على ما يفسد ويستحيل. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117)}.
{أن} في موضع نصب ب {أوحينا} أي بأن ألق، ويحتمل أن تكون مفسرة بمعنى أي فلا يكون لها موضع من الإعراب، وروي أن موسى لما كان يوم الجمع خرج متكئًا على عصاه ويده في يد أخيه وقد صف له السحرة في عدد عظيم حسبما ذكر، فلما ألقوا واسترهبوا أوحى الله إليه، فألقى فإذا هي ثعبان مبين، فعظم حتى كان كالجبل، وقيل إنه طال حتى جاز النيل، وقيل كان الجمع بالإسكندرية وطال حتى جاز مدينة البحيرة، وقيل كان الجمع بمصر وإنه طال حتى جاز بذنبه بحر القلزم.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول بعيد من الصواب مفرط الإغراق لا ينبغي أن يلتفت إليه، وروي أن السحرة لما ألقوا وألقى موسى عصاه جعلوا يرقون وجعلت حبالهم وعصيهم تعظم وجعلت عصى موسى تعظم حتى سدت الأفق وابتلعت الكل ورجعت بعد ذلك عصا فعندها آمن السحرة، وروي أن عصا موسى كانت عصا آدم عليهما السلام وكانت من الجنة، وقيل كانت من العين الذي في وسط ورق الريحان، وقيل كانت غصنًا من الخبيز أو قيل كانت لها شعبتان وقيل كانت عصا الأنبياء مختزنة عند شعيب فلما استرعى موسى قال له اذهب فخذ عصا فذهب إلى البيت فطارت هذه إلى يده فأمره شعيب بردها وأخذ غيرها ففعل فطارت هي إلى يده فأخبر بذلك شعيبًا وتركها له، وقال ابن عباس: إن ملكًا من الملائكة دفع العصا إلى موسى في طريق مدين، و{تلقف} معناه تبتلع وتزدرد، و{ما يأفكون} معناه: ما صوروا فيه إفكهم وكذبهم، وقرأ جمهور الناس {تلقف}، وقرأ عاصم في رواية حفص {تلْقَف} بسكون اللام وفتح القاف، وقرأ ابن كثير في بعض ما روي عنه {هي تلقف} بتشديد التاء على إدغام التاء من تتلقف، وهذه القراءة لا تترتب إلا في الوصول، وأما في الابتداء في الفعل فلا يمكن، وقرأ سعيد بن جيبر {تلقم} بالميم أي تبتلع كاللقمة، وروي أن الثعبان استوفى تلك الحبال والعصي أكلًا وأعدمها الله عز وجل، ومد موسى يده إلى فمه فعاد عصا كما كان، فعلم السحرة حينئذ أن ذلك ليس من عند البشر فخروا سجدًا مؤمنين بالله ورسوله. اهـ.